رئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان عبد الفتاح برهان وحقيقة علاقته بأبوظبي

جاء ترحيب دولة الإمارات بتسلم الفريق أول عبد الفتاح برهان رئاسسة المجلس العسكري الانتقالي في السودان خلفا لوزير الدفاع عوض بن عوف الذي تنازل عن رئاسة المجلس بعد يوم على تسلمه، وإعلان أبوظبي استعدادها لتقديم المساعدات للسودان ليثير التساؤلات حول حقيقة علاقة برهان بأبوظبي التي كانت التزمت الصمت تجاه الاحداث في السودان حتى بعد الانقلاب على البشير الخميس الماضي.

 

ففي بيان صادر عن الخارجية الإماراتية رحبت دولة الإمارات بتولي الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئاسة المجلس العسكري الانتقالي في السودان، مشيرة إلى أن هذه الخطوة "تجسد تطلعات الشعب السوداني".

 

وقالت الوزارة الخارجية  السبت، إن "دولة الإمارات تتابع باهتمام التطورات التي يمر بها السودان في هذه اللحظة الفارقة من تاريخه الحديث إذ تعرب عن ثقتها الكاملة بقدرة الشعب السوداني الشقيق وجيشه الوطني على تجاوز التحديات بما يحقق الاستقرار والرخاء والتنمية".

 

 و لم يكن اسم برهان  مطروحًا على الساحة قبل عام تقريبًا، حين أصدر الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير قرارًا بترقيته ضمن تغييرات عسكرية واسعة داخل صفوف القوات المسلحة في فبراير 2018، إلا أنه وفي خلال الشهرين الماضيين بات أحد الأسماء المعروفة لدى المواطن السوداني.

 

الفريق عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن، رئيس المجلس العسكري الانتقالي الجديد في السودان، الذي عُين بدلاً من الفريق عوض بن عوف الذي استقال من منصبه بعد أقل من 24 ساعة إثر تصاعد الاحتجاجات الرافضة لقيادته للمرحلة الانتقالية على خلفية مسؤوليته بجانب البشير وآخرين عما وصلت إليه البلاد.

 

ورغم ردود الفعل الإيجابية لتنحي بن عوف رضوخًا لرأي الشعب، فإن العديد من التساؤلات فرضت نفسها على رجل الشارع عن خلفيات البرهان السياسية ودورها في رسم ملامح خريطة المستقبل فضلاً عن علاقته القوية بأبو ظبي ومدى ما لذلك من تأثير في إدارته للمشهد خاصة أن البعض يصفه بأنه رجل الإمارات في السودان بحسب ما اورده تقرير لموقع " نون بوست".

 

وُلدَ البرهان عام 1960 في قرية قندتو بولاية نهر النيل الواقعة شمال السودان لأسرة دينية تُدين بالولاء للطريقة الختمية وهي إحدى الطرق الصوفية في السودان، وتعد الذراع الدينية للحزب الاتحادي الديمقراطي الذي تزعمه محمد عثمان الميرغني.

 

تلقى تعليمه الأول بمدارس قريته ثم انتقل بعد ذلك لإكمال دراسته في مدينة شندي وبعدها التحق بالكلية الحربية السودانية ضمنَ ضُباط الدفعة 31، عمل عقب تخرجه ضمنَ وحدات الجيش  فضلًا عن مُشاركته في جبهات القتال في حرب دارفور وكذا في جنوب السودان ومناطق أخرى.

 

وحصل على العديد من الدورات التدريبية في بعض البلدان على رأسها مصر والأردن، وظل مختفيًا عن وسائل الإعلام حتى فبراير 2018 حين تم تعيينه قائدًا للقوات البرية، ومنذ ذلك الوقت بدأ اسم الرجل يداعب مسامع السودايين خاصة مع تصاعد التوتر في العلاقات بين الخرطوم والرياض وأبو ظبي بشأن مشاركة القوات السودانية في حرب اليمن.

 

العديد من التقارير تشير إلى أن البشير عرض عليه العديد من المناصب خلال الفترة الماضية على رأسها تولي منصب والي إحدى الولايات، لكنه رفض بحجة ابتعاده عن الخوض في العمل السياسي، وآثر البقاء في العمل داخل الجيش، وذلك قبل تعيينه رئيسًا للمجلس العسكري بدلاً من بن عوف أمس الجمعة.

 

بين صلاح الدين قوش وبرهان

 

ذهب فريق إلى أن صلاح قوش المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، المفضل لدى أبو ظبي، كان الأولى بهذا المنصب في هذا التوقيت، إلا أن اعتذاره عن عدم المشاركة في عضوية المجلس الذي أعلنه بن عوف، يأتي إرضاءً للشارع الغاضب الذي يرى الرجل المقرب من الإمارات ضلعًا أساسيًا في كيان نظام البشير.

 

رئيس اللجنة السياسية المكلفة من المجلس العسكري عمر زين العابدين، قال في مؤتمر صحافي قبل يومين، إن رئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطني ووزير الدفاع "كانا جزءًا من عملية التغيير التي انحازت للشعب"، وهو ما استنكره نشطاء، رافضين أن يكون قوش جزءًا من عملية التغيير، وهو الذي تسبب في قتل وتعذيب المحتجين طوال أربعة أشهر منذ بدء الاحتجاجات.

 

ومع أداء البرهان القسم وهو قائد القوات البرية السابق المشرف على القوات السودانية في اليمن، بدأت الكثير من الأصوات تشير إلى علاقات الرجل القوية مع أبو ظبي، خاصة أنه أمضى حياته طيلة السنوات الأخيرة متنقلاً بين اليمن والإمارات وتربطه علاقات قوية بعناصر فعالة في السلطة الإماراتية.

 

فريق ذهب إلى أن الدفع به على وجه الخصوص كبديل لبن عوف جاء نتيجة ضغوط خارجية على الأرجح وفق أنصار هذا الفريق من الإمارات، خشية من انفلات الأمور وللحفاظ على الحكم الجديد الذي سيطر عليه مجلس عسكري مكون من المقربين منها، تزامن ذلك مع تراجع بعض المقربين من الجانب الإماراتي من الزج بها في المشهد حاليًّا.

 

و تساءل العديد من المراقبون عن حقيقة ما يحدث في السودان، وهل كانت الإطاحة بالبشير نتاجًا لضغوط الشارع واستجابة لدعوات التطهير والقضاء على الفساد أم مجرد صفقة يضمن بها الرئيس المخلوع ورفاقه الخروج الآمن وعدم الملاحقة القضائية في الداخل والخارج على حد سواء، في ضوء إعلان المجلس العسكري عدم تسليمه للجنائية الدولية تحت أي ظرف.

 

اختيار بن عوف رئيس للمجلس العسكري الانتقالي بداية الأمر قوبل بتحيز بعض قيادات الجيش للشارع، وهو ما تجسده تحركات الفريق محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع السودانية، التي تعد ثاني أقوى تشكيل مسلح بعد الجيش في البلاد، وأحد الأطراف الرئيسية التي شاركت في عملية الإطاحة بالبشير.

 

اعتذار دقلو عن المشاركة في عضوية المجلس بجانب أنها تشي بخلاف بين الأذرع العسكرية والأمنية بشأن إدارة المرحلة الانتقالية إلا أن مراقبين اعتبروها خطوة "ذكية"، في وقت ماج فيه الشارع غضبًا رفضًا لتولي المرحلة الطويلة الأمد من منفذي الانقلاب الظاهرين.

 

أنصار هذا الرأي يذهبون إلى أن بن عوف كان كبش الفداء لإمرار الانقلاب على أن يتولى زمام الأمور بعده مقربون من المنقلبين الحقيقيين، وأن يحملوا معهم قرارات جديدة تهدّئ غضب الشارع، إذ إن صلاح قوش وعوض بن عوف مغضوب عليهما شعبيًا، بحسب ما بدا في ردود الفعل في الشارع، ومن ثم وقع الاختيار على البرهان الذي قالت تقارير إنه ثالث ثلاثة أبلغوا البشير، بعزله من رئاسة البلاد أول أمس الخميس.

 

وبعيدًا عن شكوك علاقته بالإمارات، فإن أكثر ما يميز البرهان عن بقية رجال البشير أنه غير مطلوب على ذمة أي قضايا من المحكمة الجنائية الدولية، كغيره من قادة الجيش، هذا فضلاً عن تفضيله الابتعاد عن الانخراط في العمل السياسي طيلة السنوات الماضية.

 

صحفيون سودانيون أشار إلى أن علاقة رئيس المجلس الجديد بأبو ظبي تعود إلى طبيعة عمله كمشرف على القوات السودانية المشاركة في اليمن، لافتًا إلى أن تلك العلاقة لا تتوقف عند الإمارات فحسب، فهناك علاقات قوية تجمعه بالرياض كذلك لا سيما قادة الجيش.

 

و هناك توجه عام لدى الحراك الشعبي برفض أي أسماء عسكرية في المشهد خلال الفترة المقبلة، مع المطالبة بتقليل الفترة الانتقالية وهي المحددة بعامين وفق بيان بن عوف الأول

 

أنصار الفريق الأول يؤكدون على السمعة الجيدة للبرهان وعدم تورطه في قضايا فساد وتعذيب كغيره من رجال البشير، هذا بخلاف دعمه للحراك الشعبي وهو الذي التقى بهم أكثر من مرة وأكد على تأييده لمطالبهم ودعوته لفتح حوار شامل مع قوى المعارضة لبحث مستقبل البلاد.

 

أما الفريق الآخر فلديه العديد من التخوفات بشأن أن يكون الرجل ستارًا لتمرير الانقلاب والإبقاء على رجال البشير في مأمن دون محاسبة، بصفته أحد أبناء المؤسسة العسكرية وأحد المقربين من الرئيس السوداني المخلوع الذي عينه قبل 14 شهرًا قائدًا للقوات البرية.

 

وبحسب الصحفي السوداني فإن هناك توجهًا عامًا لدى الحراك الشعبي برفض أي أسماء عسكرية في المشهد خلال الفترة المقبلة، مع المطالبة بتقليل الفترة الانتقالية وهي المحددة بعامين وفق بيان بن عوف الأول، وهو السبب وراء استمرار الاعتصام والبقاء في الشارع حتى اليوم.

 

الساعات القادمة ربما تشهد تطورات جديدة على الساحة السودانية، يحددها مدى تعاطي البرهان مع مطالب المحتجين في تدشين حكومة مدنية بالكامل وإعادة النظر في الفترة الانتقالية، هذا بخلاف مدى تحيزه للمصالح الوطنية لبلاده مقارنة بأجندات دول أخرى تراه فرصتها نحو تمرير أجندتها في الدولة التي ظلت لسنوات عصية على الرضوخ والانصياع، وتحذير من سعي أبوظبي لتكرار سيناريو السيسي في مصر وتكريس تمسك الجيش السوداني بمقاليد الامور في البلاد.

 

ورغم المساعي الإماراتية والسعودية والمصرية للتقارب مع السودان خلال فترة حكم البشير عبر تعزيز الدعم والمساعدات المالية للخرطوم وتوقيع عدة اتفاقيات حول الاستثمار سعياً لدفع الخرطوم نحو الموقف الإماراتي السعودي في مواجهة كل من قطر وتركيا، إلا أن الخرطوم واصلت سياسة الحياد تجاه هذا الصراع فيما شهد العام الماضي توقيع عدة اتفاقيات مع تركيا في مجالات الطاقة والزراعة، إضافة إلى الاتفاق الذي تم بموجبه منح تركيا حق إدارة جزيرة سواكن الاستراتيجية السودانية على لابحر الاحمر مما أثار حفيظة كل من مصر والإمارات .

رابط الموضوع: http://emasc.org/news/view/14516